كتب هنري ثورو ـ والدن : « إذا وقفت أمام واقعة وجهاً لوجه ، فسترى الشمس تومض على سطح كليهما ، كأنها خنجر معــقوف ، تشعر بحدّه الحلو يشطر منك القلب والنـقي . عندها ، ستضع حدّاً لحكايتك الفانية ، وأنت تغــمرك السعادة في الحياة والموت ، ونحــن نلتــمس الواقع وحده » .
يبدو أن فكرة الحدّين ليست كافية لتفسير الكثير مما يحدث حولنا . فهذا العنف المتخفّي أحياناً في هيئة غضب أو حزن دفين ينتظر حبة البارود ، يحتاج إلى أكثر من مراقبة آنية وتفسيرات سريعة مشغولة بالحدث على حساب أسبابه الفعلية العميقة . خذوا مثلاً العنف الذي تبثّه أفلام الكرتون ، لا سيما « توم وجيري » : عنف يتجلّى في الانتصار العسكري الدائم لـ « جيري » على « توم » ، هروب مرحلي لـ « جيري » ، ثم بحثاً عن الهدوء وبعدها تحرّش مصحوب بالخسارة من قبل « توم » ، و أحداث مشتعلة طافحة بالضرب والخبط والإثارة . في الجانب الثاني من الشاشة ، طفل يتابع ويراقب ويبتلع هذه الإثارة كلّها . ما أنا متأكّد منه أن هذا العنف المقبل من الشاشة لا يولّد عنفاً آنياً مباشراً ، يشبه العلاقة بين حبة الدواء والعلاج مثلاً ، لكنه يهيئ النفس لقبول العنف ، ويغذّي جذور النفس الإنسانية بخلاصة العنف المقبل عبر الإثارة .
في إحدى حلقات « توم وجيري » ، يستنجد « جيري » بصديقة له تتقن فنون القتال . تكون هذه الصديقة المغــوارة قد انتهــت للتو من تحطــيم رؤوس مجمــوعة من القطط الضخمة . تلبّي تلــك الفــأرة النــداء ، و تلــقّن « جيري » درساً لن ينساه : تطيــحه أرضــاً ، وتقلــبه يميناً ويساراً كأنه حبــة عــدس أمام جـبروتها .
و عنــدما تزيد من تأديبها له ، يصل إلى مرحلة تقبيل قدميها بشكل هستيري ( مشهد يولد القرف ، لأن الإذلال هو الوجه الآخر للعنف نفسه ) . تنتهي الحلقة بانتصار « تاريخي » لجيري على المسكين « توم » . الطفل نفسه يتابع بشغف ولهفة ، يرمي ألعابه كلّها و ينتبه إلى ما يجري . إذا حاول الأب أو الأم تغيير القناة ، يكون الطلب الطفولي واضحاً وعنيداً : « أريد توم وجيري » . يستجيب الأهل للطلب ، و يتابع الطفل غذاءه من هذا العنف . عنف يمضي إلى النفس بهدوء ، وينتظر الظهور يوماً ما . والقصة ، كما قلت ، أبعد من حدّين ومن سبب ونتيجة . إنها أعقد من هذا كلّه ، لكن الذي يحدث يهيئ للعنف لا لغيره . في الشارع أيضاً ، إذا حاولنا تفسير العنف الذي يحدث في مشاجرة بين الكبار أو الصغار أو بين مراهقين ، ألا نحتاج إلى مراجعة الخلفيات ؟ و توم وجيري قد يكون إحداها ؟
منذ أيام ، انتهى بعض طلبة المدارس من عامهم الدراسي . شاهدت الفرح الذي خيّم على أرواحهم وهم يخرجون إلى الشارع متوجين هذا الإنجاز بتمزيق دفاتر الدراسة في مشهد سينمائي كئيب . هنا ، علينا ألاّ ننسى شكل المدرسة القريب جداً هندسياً من بناء السجن ، و علينا ألا ننسى أيضاً أشكال بيوتنا القريبة أيضاً هندسياً من بناء القبر. يحقّ لنا هنا أن نتذكّر إريك فروم وهو يحلّل « التدميرية البشرية » ، إذ برميه خيوط أفكاره العميقة يرشدنا من حيث لا يدري إلى قيمة الاطمئنان والسلام والدفء الإنســاني . لعله يكتب إلينا ليشرح لنا كيــف نؤسّس تربية بشر قليلي الشغف بالعنف ، وقليلي الوله بهذين العدوان والكراهية . أيضــاً : هل من أحد يتذكّر هذا الكبير في إنسانيته غانــدي ، الذي أصرّ حتى لحظة اغتياله على أساليب النضال السلمية ؟
المسألة أبعد من أفلام كرتون . من « توم وجيري » إلى « باب الحارة » وغيرها و عقول المشاهدين باحثة عن المتعة والتسلية ، لكنه العنف الذي يختبئ في المفارق والطرق كلّها .
الأربعاء أبريل 22, 2015 11:58 am من طرف bulbul92
» اغاني عربية في حياتنا
الأربعاء أبريل 22, 2015 11:55 am من طرف bulbul92
» اغاني عربية في حياتنا
الأربعاء أبريل 22, 2015 11:54 am من طرف bulbul92
» اغاني عربية في حياتنا
الأربعاء أبريل 22, 2015 11:49 am من طرف bulbul92
» تيني ديل 2014
الأربعاء ديسمبر 24, 2014 6:42 am من طرف mohamed elame
» شرح كامل عن موقع Tinydeal الموقع الصيني الشهير :
الثلاثاء ديسمبر 23, 2014 8:10 pm من طرف mohamed elame
» شراء الاثاث المستعمل بالرياض 0500308574 ونقل العفش
السبت أغسطس 23, 2014 11:42 pm من طرف معاويه علي
» ارقام شراء الاثاث المستعمل بالرياض 0500308574
الجمعة أغسطس 22, 2014 12:21 am من طرف معاويه علي
» شراء الاثاث المستعمل بالرياض 0500308574
الخميس أغسطس 21, 2014 12:20 am من طرف معاويه علي