{
إنا أعطيناك الكوثر } ، بهذه الآية الكريمة ، افتتح الله تعالى سورة
الكوثر ، مذكرا نبيه صلى الله عليه وسلم بنعمة عظيمة ، ومنة كريمة ،
وموعود أخروي ، جعله الله عز وجل كرامة لنبيه ، وبشارة له ولأمته من بعده
، ثم رتب على ذلك الوعد العظيم ، الأمر بالصلاة والعبادة ، والوعد بالنصر
والتأييد { فصل لربك وانحر إن شانئك هو الأبتر }
والكوثر
هو النهر الذي وعده الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم في الجنة ، وأصل
كلمة الكوثر يدل على الكثرة والزيادة ، ففيه إشارة إلى كمال الخيرات التي
ينعم الله تعالى بها على نبيه صلى الله وسلم في الدنيا والآخرة .
ولنهر
الكوثر - الذي في الجنة - ميزابان ، يصبان في حوض ، وهو الحوض الذي يكون
لنبينا صلى الله عليه وسلم في أرض المحشر يوم القيامة ، فنهر الكوثر في
الجنة ، والحوض في أرض المحشر ، وماء نهر الكوثر يصب في ذلك الحوض ، ولهذا
يطلق على كل من النهر والحوض ( كوثر ) ، باعتبار أن ماءهما واحد ، وإن كان
الأصل هو النهر الذي في الجنة .
وقد
ورد في الأحاديث جملة من صفات نهر الكوثر ، تجعل المؤمن في شوق إلى ورود
ذلك النهر ، والارتواء منه ، والاضطلاع من معينه ، فنهر الكوثر يجري من
غير شق بقدرة الله تعالى ، وحافاتاه قباب الدر المجوف ، وترابه المسك ،
وحصباؤه اللولؤ ، فما ظنك بجمال ذلك النهر وجلاله ، وما ظنك بالنعيم الذي
حبى الله به نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين من أمته .
ولا
تقل صفات ماء نهر الكوثر جمالا وجلالا عن النهر نفسه ، فقد ثبت في أحاديث
للنبي صلى الله عليه وسلم أن ماء نهر الكوثر أشد بياضا من اللبن ، وأحلى
مذاقا من العسل ، وأطيب ريحا من المسك ، حتى إن عمر بن الخطاب رضي الله
عنه لما استمع إلى تلك الأوصاف ، قال للنبي صلى الله عليه وسلم : إنها
لناعمة يا رسول الله ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( آكلوها أنعم منها
) ، في إشارة منه صلى الله عليه وسلم إلى أن تلك الصفات العظمية ، وتلك
النعم الجليلة ، ما هي إلا جزء يسير مما يمن الله به على أهل دار كرامته ،
ومستقر رحمته .
وجاء
الوصف النبوي لماء نهر الكوثر أيضا ، بأن من شرب منه لم يظمأ بعدها أبدا ،
ولم يسود وجهه أبدا ، فكيف لك أن تتخيل جنة الخلد ، إذا كان نهرها وماؤها
كذلك !!
أما
الحوض الذي يكون في أرض المحشر ، فطوله مسيرة شهر ، وعرضه كذلك ، ولهذا
جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( حوضي مسيرة شهر ،
وزواياه سواء ) ، أي أن أطرافه متساوية ، وجاء في وصف الحوض أيضا أن آنيته
أكثر من عدد نجوم السماء وكواكبها .
أما
ماء الحوض فهو مستمد من نهر الكوثر كما سبق ، فصفات الماء واحدة ، كرامة
من الله تعالى لنبيه والمؤمنين من أمته ، حيث يتمتعون بشيء من نعيم الجنة
قبل دخولها ، وهم في أرض المحشر ، وعرصات القيامة ، في مقام عصيب ، وحر
شديد ، وكرب عظيم .
والميزابان
اللذان يصلان بين نهر الكوثر في الجنة ، وبين حوض النبي صلى الله عليه
وسلم في أرض المحشر ، لا يقلان شأنا عن النهر والحوض ، فالميزابان أحدهما
من فضة والآخر من ذهب ، فالماء من أطيب ما يكون ، ومقره من أرق ما يكون ،
ومساره ومسيله من أغلى ما يكون .
وقد
جاءت الأحاديث النبوية تبين أن لكل نبي من الأنبياء حوضا في أرض المحشر
وعرصات القيامة ، فقد ثبت عن سمرة ابن جندب أن النبي - صلى الله عليه وسلم
- قال إن لكل نبي حوضا ترده أمته ، وإنهم ليتباهون أيهم أكثر واردة ،
وإني لأرجو أن أكون أكثرهم واردة ) ، فرحمة الله تعالى في ذلك الموقف قد
شملت المؤمنين من كل الأمم ، فلكل نبي حوض ، يرده المؤمنون من أمته ، إلا
أن حوض نبينا صلى الله عليه وسلم يتميز بثلاثة أمور :
الأول : أن ماءه مستمد من نهر الكوثر ، فماؤه أطيب المياه ، وهذا لا يثبت لحوض غيره من الأنبياء ، عليهم جميعا صلوات الله وسلامه .
الثاني : أن حوضه صلى الله عليه وسلم أكبر الأحواض .
الثالث
: أن حوضه صلى الله عليه وسلم أكثر الأحواض واردة ، أي يرد عليه من
المؤمنين من أمته ، أكثر ممن يرد على سائر أحواض الأنبياء من المؤمنين من
أمتهم .
ويحظى
بشرف السبق في ورود حوض النبي صلى الله عليه وسلم من أمته فقراء المهاجرين
، فعن ثوبان رضي الله عنه مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال
: ( أول الناس ورودا على الحوض فقراء المهاجرين ، الشعث رؤوسا ، الدنس
ثيابا ، الذين لا ينكحون المنعَّمات ، ولا تفتح لهم أبواب السدد ) ،
والسدد هي القصور الخاصة بالمترفين ، فكما أنهم كانوا أفقر الناس في
الدنيا ، وأقلهم منصبا ، وأدناهم شأنا ، مع ما كانوا عليه من قوة اليقين ،
وصدق الإيمان ، وعظيم البذل والتضحية في سبيل الله تعالى ، فقد نالوا
كرامتهم في أرض المحشر ، بورودهم أول الناس على حوض النبي صلى الله عليه
وسلم .
ولقد
أدرك النبي صلى الله عليه وسلم عظيم منة الله تعالى عليه في نزول سورة
الكوثر ، وعظيم نعمته في تكريمه بنهر الكوثر ، فعن أنس بن مالك رضي الله
عنه قال : ( بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم بين أظهرنا إذ
أغفى إغفاءة ، ثم رفع رأسه متبسما ، فقلنا ما أضحكك يا رسول الله ؟ قال :
أنزلت علي آنفا سورة فقرأ { بسم الله الرحمن الرحيم إنا أعطيناك الكوثر
فصل لربك وانحر إن شانئك هو الأبتر } ، ثم قال أتدرون ما الكوثر ؟ فقلنا :
الله ورسوله أعلم ، قال : فإنه نهر وعدنيه ربي عز وجل في الجنة ، عليه حوض
ترد عليه أمتي يوم القيامة ، آنيته عدد النجوم ، فيختلج العبد منهم – يعني
يبعد عنه بعض الناس - ، فأقول رب إنه من أمتي ، فيقول : ما تدري ما أحدثت
بعدك ) رواه مسلم .
فهنيئا
للمتبعين لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، الواردين حوضه ، فهم الفائزون
يوم يخسر الخاسرون ، وهم المقربون يوم يبعد المبدلون والمحدثون .
الأربعاء أبريل 22, 2015 11:58 am من طرف bulbul92
» اغاني عربية في حياتنا
الأربعاء أبريل 22, 2015 11:55 am من طرف bulbul92
» اغاني عربية في حياتنا
الأربعاء أبريل 22, 2015 11:54 am من طرف bulbul92
» اغاني عربية في حياتنا
الأربعاء أبريل 22, 2015 11:49 am من طرف bulbul92
» تيني ديل 2014
الأربعاء ديسمبر 24, 2014 6:42 am من طرف mohamed elame
» شرح كامل عن موقع Tinydeal الموقع الصيني الشهير :
الثلاثاء ديسمبر 23, 2014 8:10 pm من طرف mohamed elame
» شراء الاثاث المستعمل بالرياض 0500308574 ونقل العفش
السبت أغسطس 23, 2014 11:42 pm من طرف معاويه علي
» ارقام شراء الاثاث المستعمل بالرياض 0500308574
الجمعة أغسطس 22, 2014 12:21 am من طرف معاويه علي
» شراء الاثاث المستعمل بالرياض 0500308574
الخميس أغسطس 21, 2014 12:20 am من طرف معاويه علي